روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | أريد أن أتخلص.. من حساسيتي المفرطة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > أريد أن أتخلص.. من حساسيتي المفرطة


  أريد أن أتخلص.. من حساسيتي المفرطة
     عدد مرات المشاهدة: 2110        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

السلام عليكم: أنا إنسانة حساسة لأبعد درجة، أي شيء يغضبني دموعي لا أقدر أمسكها، كما أنني لا أحب أخالط الناس كثيرا، أو أذهب إلى المناسبات الكبيرة، كالزواج والاحتفالات، ومع هذا أحب أتسوق، وأجلس في البيت أشاهد فيلمًا، أو أقرأ كتابًا، أو أكلم صديقاتي.

كثير من الناس يقولون كلامًا يمكن هم ما يقصدونه، ولكنني مع ذلك أتحسس منه، أنا لا أحب أزعج من حولي، وبالذات لو كان غاليًا على قلبي، وأقعد متوترة طول اليوم خائفة أن أكون قد ضايقت هذا الشخص كما أكبّر المشاكل الصغيرة وأعطيها أكبر من حجمها، وهذا يزعجني كثيرًا، وأكثر مشاكلي حاليًا في المدرسة؛ لأنني صارت لي مشكلة وحكيت لمعلمتي لتساعدني فما استطعت أن أمسك نفسي، فظلت دموعي تنزل، فخشيت أن أكون قد ضايقتها أو أزعجتها، لأنني بكيت وطلبت مساعدتها، مع أنها هي التي قالت لي: لو عندك أية مشكلة أخبريني ولكنني لا أقدر أن أتوقف عن التفكير بهذا الموضوع، لدرجة مر يومي كله نكد، وأكره نفسي لأنني ضعيفة، ولأن أي شيء يجعلني أبكي.. ولأني لست قوية، وأية مشكلة تقابلني كبيرة أو صغيرة تجعلني أنهار وأبكي وأكتئب، أمنيتي أن أتخلص من حساسيتي المفرطة، فأنا ما زلت صغيرة وأخشى أن أظل في المستقبل على حساسيتي هذه، فأتحول لشخصية انطوائية، لأنني لا يسعدني أن أضايق أحدًا، أو يضايقني أحد، أرجو أن ألقى عندكم الحل لمشكلتي وأكون لكم من الشاكرين.

الجواب:

أختي السائلة الكريمة، أشكرك على قوَّةِ شخصِيَّتِك، وسعيِك لحلِّ مشكلتك ومعرفتك لتأثير أضرارها ومتاعبها على نفسك، وتقديمها للموقع لإيجاد حلول لها.

أنت ما زلت فتاةً صغيرة، وفي الأطوار الأولى من التَّعليم والدِّراسة، وهذا يساعدك على اسْتِدْراك ما فاتك، وإصلاح مشاكلك النفسية، وتصحيح الكثير من أخطائِك، وتأهيل نفسك لتحمُّل المسئولية بعقلٍ ناضِج، وفِكْرٍ مستقيم، وقَلبٍ قوي، وأن تحسني نيَّتَكِ، وتبدئي بالسَّعي في التّغيير، معتمدة على قوَّة عزيمتك وهِمَّتَكِ، وتبادري في اتّباع برنامج يغيّر من حياتك، ويجدّد أهدافك، وينير طريقك.

أمّا بالِّنسبة لمشكلة حساسيتك المفرطة، فاعْلمي أنها من المشاعر الإنسانية مثلها مثل الفرح والحزن والخوف والخجل..إلاّ أنَّ الإفراط بالشيء يحيد به عن جادَّة الحق، ومبالغتُكِ بهذا الشعور الزّائد من الحساسيّة، يصيبك بأعراض التوتُّر، والقلق، والإحساس بعدم الاطمئنان، والمبالغة في تحميل الأشياء والأشخاص والأحداث والمواقف والتصرفات والأقوال.. أكثر ممّا تحتمله على الحقيقة.

وهذا حتْمًا يصيبُكِ بمتاعب نفسية، كالشُّعور بالبكاء، والضِّيق، والرَّغبة في البقاء بالمنزل وعدم مغادرته، والابتعاد عن الناس، وعن حضور مجالسهم، ومناسباتهم..

زيادةً على الوقوع في مشاكل في التَّعامل مع النَّفس والتَّأقلُم مع الآخرين، وما ينتج عن التَّأويل السَّيئ للأقوال وللأفعال، ممّا قد يقودُكِ لاتِّخاذ قراراتٍ استعجاليَّةٍ وانْفِعاليَّة من غير تفكير.

لهذا أنصحك بالمبادرة بالتَّخلُّص من هذه المشكلة قبل أن تتفاقم وتعكّر صفو حياتك، وتفسد علاقاتك بالنّاس وبأقربائك، ومن الإرشادات التي تساعدك في حل مشكلتك هذه ما يلي:

- أن تتجنّبي الاهتِمامِ الشَّديد بالأمور البسيطة وتضخيمها، وواجِهي مشاكل حياتك اليوميَّة، وإنجاز أعمالك المتنوعة بهدوء وراحةٍ، وتكيَّفي مع واقِعِك، بكلِّ ما يحمله من مواقف، بما يتطلَّبه من بذْل الجهد والصَّبر على تحمُّلِها، والحكمة في التَّعامُل معها.

- أن توازني بين قوَّة عاطفتك وحكمة عقلك، فلا تدَعي عاطفتك تنتصر، فتزيد حساسيتك، وتتحوَّل حياتك اليومية مؤلمةً ومزعجة، وأعصابك مشدودةً ومتوتِّرةً، وطاقتك مستنزفة، ونشاطك معطَّلًا، وتحصيلك الدراسي والعملي ضعيفًا.

- أن تبصري الأمور ليس انطلاقا من وجهة نظرك وإحساسك لأنه قد يصيب أو يخطئ، إنما اعْرِضيها على ميزان الشّرع العادل، وميزان الأخلاق، وميزان المجتمع، والبيئة، والمحيط الذي تعيشين فيه، حتى تقدري أن تحكُمي على الأشياء ببصيرة، وتتحرَّري من نظرتك لمعاني الأقوال، والتصَرُّفات، على غير حقيقتها.

وعوِّدي نفسك على إحسانِ الظَّن بالناس، وبرَّري أقوالهم وأفعالهم وإنْ أساءوا إليكِ أو أخطئوا بحقِّك، فليس كلُّ الناس كما تعتقدين أو كما تتصوّرين يقصدون إهانتك أو إزعاجك، إنَّما اعْمَلي بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والظن، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذَب الحديث، ولا تَجسَّسوا، ولا تنافسوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا».

- أن تكتسِبي مهارة استِقبال النَّقد وتعليقات الناس بنفسٍ راضية، والرَّد عليها بنفس قويّة، وبحكمة عالية، وبأدلّة علميّة مقنعة.

- أن تحوِّلي تركيزك واهتمامك لتحقيق أهدافك، وأحلامك، وهواياتك، والنَّجاح بدراستك، وحياتك العلميَّة، والعمليَّة، والأسريَّة، وتقوية علاقاتك بالنّاس، فلا يبقى في حيِّز تفكيرك مساحة فراغ، لتحدِّثين نَفْسكِ بأحاديث سلبيَّة.

- أن تتخلَّصي من شعورك المبالغ فيه بالقلق، عند إحساسك بإزعاجِ الآخرين أو مضايقتِهِم، كما حصل بينك وبين معلِّمتك، إلاّ لو أخطأت بحقِّ أحدِهِم، فهنا الواجب عليك الاعتذار والاعتراف بخطئك وطلب المسامحة، من غير أن تعاقبي نفسك وتصيري جلاّدًا يعذِّبها بتأنيب الضّمير والشّعور المستمر بالذَنب.

- أن تدَرّبي نفسك على الثّقة بإِمْكاناتِك، وقُدُراتِك، وكفاءاتِك، وكلِّ ما حَباكِ الله به من خصائص وصفات خَلقيَّة وخُلُقِيَّة، وما أنعم الله به عليك من نعم، ويكفيكِ فخرًا أنَّكِ إنسانةٌ مسلمةٌ مؤمنةٌ بربِّها، فلا تشغلي كلَّ اهتمامك بما يرضي النّاس، إنّما بما يقرِّبُك من الله وطاعته، ونيل مَحبَّتِه ورِضاه، حينها ستشعرين بقيمة نفسك عند الله لا عند الناس، وستتحرَّرين من إحساسِك بالضَّعف، وخيبة الأمل، والأفكار الخاطئة التي كنت تحملينها.

- أن تتجنَّبي العُزلة وحبَّ الخلوة مع نفسِك باستمرار، بل الصَّواب أن تَخرُجي للمجتمع وتُخالِطي الناس، وتَنْخََرِِطي معهم، وتَتَأقْْلََمي مع اختِلافِ طََبائِعِهم وأَمزِجَتِهم، وتتحَمَّلِي أخطاءَهُم، وهَفَواتِهِم، وسَقَطاتِهِم، وزَلاّتِ لسانِهِم، وتكوني رحيمةً بنفسِك وبهم، فلسنا ملائكةً أطهارًا ولا أنبياءَ معصومين، إنَّما نحن بشرٌ نصيب ونخطِئ، إيماننا يقوى ويضعف، والله سبحانه تجاوز عنّا الخطأ، فعن عبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمَّتي عما اسْتُكرهوا عليه وعن الخطأ والنِّسيان».

فلْيكن من صفاتك العفو، وكما أوصانا نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم: «الرّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرَّحِم شجنة من الرحمن فمن وَصَلَها وَصَلَه الله ومن قَطَعَها قَطَعه الله»، وقال: «ارْحَمُوا تُرْحَموا، واغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُم».

- كما عليك أن تتعلََّمي أصول وآداب المناقشة والحوار، في مواجهة من يخطئ بحقِّك وشخصِك، وأن تكتَسِبي جرأة في الحديث، وفي التَّعبير عن نفسك، وعن أفكارك، وآرائك، وأحاسيسك، وردِّدي دائما: ماذا سيحصل لو أنا سألت الآخر لماذا أسأت إلي؟ ولماذا جرحتني بكلامك؟ ولماذا ضايقتني بتصرُّفاتك؟ ولماذا أغضبتني بتعليقاتك، ونقدك، وهجومك؟..

وباختصار إنَّ حَلَّ مشكلتك بيدِك، والصّراحة هي حلُّ مشكلتك، والمواجهة هي ردٌّ على حساسيتك، والمكاشفة هي تحريرٌ لنفسك من كبتها وضغطها النفسي، وثقتك بنفسك تهزِم ضعفك وانْكِسارك، وشجاعتك تغلِبُ خوفَكِ وخجلك..

وتعوَّدي على اقتحام عالم الآخرين، واطْلُبي تفسيرًا لأيِّ موقفٍ أو تصرُّفٍ يزعجك، ولا تتَردَّدي في التَّعبير عن إحساسك الدّاخلي، حتّى في حالات غضبك وانفعالك، ولا تستسلِمي لصمتك وخَرَسِك اللِّساني، مع التِزامك دائمًا باحتِرامِك لنفسِك ولغيرك، والتِزامِك بدينِِك وقيمِك ومبادِئِك، وتأكَّدي بأنَّك كلَّما كسرت حاجزًا بنفسِك، هدأَت ثورتُكِ، وخَفَّت حساسيَّتُك، وعالجتِ ضعفَكَ وانْكِسارِك، وكلَّما فتحت قلبك للآخر وأنصتِّ إليه، كسرت حاجز خوفك وجهلك بالحقيقة، وحينها قد يتغيَّر موقِفُكِ عن الأول، وقد تشعرين أنك ظلمت بتأويلك الخاطئ إنسانًا، أو أسأت الظَّنَّ به، وبالغت في تهويل تصرُّفِه، وتحميلِ كلامه مَحْمل السّوء والضَّرر، ومعرفتك بالحقيقة ستشعِرُكِ بالرّاحة والسَّكينة والأمان.

الكاتب: صفية الودغيري.

المصدر: موقع المسلم.